الشاهد لِمَا يريد الشيخ هي كلمة الحد "كانوا لا يحدون" ما معنى أن السلف كانوا لا يحدون أو لا يثبتون الحد؟ يروون الحديث ويقولون بلا كيف؟ وإذا سئلوا قالوا بالأثر.
قال المصنف: [وسيأتي في كلام الشيخ: وقد أعجز عن الإحاطة خلقه، فعلم أن مراده أن الله يتعالى عن أن يحيط أحد بحده] يعنى أن مراد المُصنِّف في نفي الحد عن الله، أن الله سبحانه يتعالى أن يحيط أحد بحده، أي: أن يحيط أحد بصفته وبكيفيته، والمعنى أنه متميز عن خلقه منفصل عنهم مباين لهم.
ولهذا يقول السلف الصالح: وإنه تَعَالَى فوق عرشه بذاته بائن من خلقه، وهذه العبارة تدخل فيما قاله المصنف: [إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد] كما احتجنا أن نقول: هو عَلَى العرش بذاته، فزدنا كلمة (بذاته) كما قال ذلك الإمام ابن أبي زيد القيرواني في مقدمة الرسالة: وهو عَلَى عرشه المجيد بذاته؛ لأن من النَّاس من يقول: وهو عَلَى عرشه في الأرض، والدليل قال تعالى:((وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ))[الأنعام:3].
فقال هو هنا وهنا، هو فوق العرش وفي الأرض والمعنى الصحيح للآية: هو الله الإله المعبود في السموات وفي الأرض ومثل هذه الإشكالات عند الحلولية وأمثالهم، فاحتاج السلف إلى إيضاح ذلك فقالوا وهو عَلَى عرشه بذاته، وهو مع مخلوقاته بعلمه، ((وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ))[الحديد:4] أي:بعلمه ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ))[قّ:16] فالآيات في العلم ثُمَّ قَالَ: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))[قّ:16] "إذ" ظرف، والظرف متعلق بالفعل ((إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ))[قّ:17] أي: الملكان اللذان يكونان لقبض الروح.
إذاً: الله مع المخلوق بعلمه وبملائكته، لكن بذاته هو عَلَى العرش، فأراد السلف أن يزيلوا اللبس عن العبارات التي هي حق ويستخدمها أعداء المذهب الصحيح والمخالفون له في معنىً باطل، فوضحوا الأمر أكثر بقولهم: بائن من خلقه.